ولادته :اسمه شَيبة الحمد ، ولد في المدينة نحو 127 قبل الهجرة ، كان سيّد العرب وسيّد الوادي ، وسيّد قريش وحكيمها وعالمها ، وُلد وفي رأسه شيبة فقيل له : شيبة الحمد ـ رجاء أن يكبر ويشيخ ويكثر حمد الناس له ـ وقد حقّق الله ذلك ، فكثر حمدهم له ، لأنّه كان مَفزَع قريش في النوائب ، وملجأها في الأمور ، وكان شريفهم وسيّدهم كمالاً وفعلاً .
صفاته وأخلاقه :1ـ كرمه : كان كثير الكرم حيث أنّه قد لُقّب بالفيّاض مُطعم الوحش والطير ، ولشدّة كرمه أطلقت عليه العرب إبراهيمَ الثاني ، وكذلك للخصال الحميدة التي تجمّعن فيه .
2ـ إيمانه : كان عبد المطلب ( رضوان الله عليه ) يؤمن بالله واليوم الآخر ، وكان يقول للناس : لن يخرج من الدنيا ظلوم حتّى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة ، إلى أن هلك رجل ظلوم من أرض الشام ولم تصبه عقوبة ، فقيل لعبد المطلب في ذلك ، ففكّر وقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً ، يجازى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
ورفض عبادة الأصنام ، ونهى أن يستقسم بالأزلام ،وعن أكل ما يُذبح على النُّصُب ، ودعا إلى توحيد الباري عز وجل ، ولم تكن شريعة مشروعة في زمنه ، ولهذا كانت عبادته التفكّر في آلاء الله ومصنوعاته ، والدعوة إلى صلة الأرحام ، واصطناع المعروف والاتّصاف بمكارم الأخلاق .
وكان يختلي كثيراً بغار حِراء ليجمع فكره وقلبه في الاستغراق في التفكير في صفات الله وأفعاله الدالّة عليه ، فإذا دخل شهر رمضان صعِد غار حراء بعد أن يأمر بإطعام المساكين ، وتخلّى عن الناس مفكّراً في جلال الله وعظمته .
3ـ كراماته : أكرمه الله بمعجزة حفر بئر زمزم ، ومعجزة نبع الماء من تحت راحلته عندما سافر للتقاضي بينه وبين خصومه ، فأدركهم العطش ورفض خصومه أن يسقوه وجماعته .
وهبه الله عز وجل أكثر من عشرة أولاد ، وكان مستجاب الدعوة ، وكانت قريش إذا أصابها قحط شديد تأتيه
الحمــد لله الذي أعـطانـي ** هذا الغلامَ الطيّبَ الأردانِ
قد ساد في المهد على الغلمان ** أُعيذه بالله ذي الأركـانِ
حتّـى أراه بالــغَ البُنيـانِ ** أُعيذه من شـرّ ذي شنآنِ
من حاسدٍ مضطربِ العنانِ
وهو الذي قد قال : إنّي قد خلّفتُ لكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب الناس .
وصاياه بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) :كان قبل وفاته كثيراً ما يوصي ولده أبا طالب بمحمّد ( صلى الله عليه وآله ) قائلاً : يا بُني ! تَسلّم ابن أخيك ، فأنت شيخ قومك وعاقلهم ، ومَن أجدُ فيه الحِجى دونهم ، وهذا الغلام تحدّثت به الكهّان ، وقد روينا في الأخبار أنّه : سيظهر من تهامة نبيٌّ كريم ، وقد رُوي فيه علامات قد وجدتها فيه ، فأكرِم مثواه واحفظه من اليهود فإنّهم أعداؤه .
فأجابه أبو طالب : قد قبلت ، واللهُ على ذلك شاهد ، ثمّ مدّ يده إليه ، فضرب بها على يد ابنه أبي طالب قائلاً : الآن خُفّف علَيَّ الموت ، وودّعه عبد المطّلب وهو يقبّله قائلاً : أشهد أنّي لم أر أحداً في ولدي أطيب ريحاً منك ، ولا أحسن وجهاً .
وفاته :توفّي ( رضوان الله عليه ) بمكّة في اليوم العاشر من ربيع الأوّل في السنة الثامنة من ولادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة ، وقيل مائة وأربعون .
أعظمت قريش موته ، وغُسل بالماء والسدر ـ وكانت قريش أوّل مَن غسل الموتى بالسدر ـ ولُفّ في حُلّتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب ، وطُرح عليه المسك حتّى ستره ، وحُمل على أيدي الرجال عدّة أيّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب .