مهرجان فتح .. تساؤلات وملاحظات

أسئلة كثيرة أشغلت الفلسطينيين بعد انتهاء مهرجان فتح التأبيني للرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي تمكن في ذكراه الثالثة أن يلملم شعث حركة فتح التي لم تستطع أن تجمع جماهيرها كما استطاع عرفات أن يجمعها حيا وميتا ما يدل على عجز كل قيادات فتح من الصف الأول وحتى العاشر من الاتفاق على قائد يجمع متناقضات الحركة التي تاهت بين الدعوات لاستمرار العمل العسكري ودعم كتائب الأقصى وبين اللهث إلى أنابوليس وجمع سلاح المقاومة في الضفة ، وعلى نحو ما زال يظهر حالة الفرقة والتشرذم التي تحياها قيادة فتح وهي تحاول أن تظهر عكس ذلك باستغلال ذكرى عرفات الذي لم يختلف عليه اثنان من فتح كما اختلفوا اليوم على قادتهم استغلالا أساء للشهيد الراحل الذي ما زال ينتظر في قبره محاكمة قتلته الذين يعلمهم جيدا .

ومن أبرز هذه الأسئلة التي أصبحت لسان حال المواطن والإعلاميين... أين كانت فتح من الذكرى الأولى والثانية لاستشهاد عرفات ولماذا لا يجرؤ قيادي فتحاوي واحد أن يشير دون تفاصيل إلى المتسبب الحقيقي في تسميمه؟؟ ولماذا لم تحظ الضفة بهذا الاهتمام الكبير بعرفات كما القطاع ؟؟ وهل الخطاب التحريضي الموجه ضد الحكومة وحماس في المهرجان جاء بسبب حالة الاستقرار والهدوء الذي عاشته غزة على مدار الأشهر الماضية ؟؟ ولماذا سمحت حماس بإقامة المهرجان في غزة وهي المحرومة من القيام بفعالية واحدة بالضفة ؟؟؟ وما سر تكرار اسطوانة أن الشهيد عرفات لم يمسح من الذاكرة وبأنه باق وكأن أحدا قال غير ذلك؟؟؟ ولماذا استخدمت الشرطة الرصاص الحي لتفرقة مثيري الشغب بعد انتهاء المهرجان ؟ ولماذا سهلت الداخلية تنظيم المهرجان وسمحت به رغم علمها بأن المهرجان لن يمر دون فوضى وأن أهدافه الحقيقة تتجاوز ذكرى الشهيد عرفات ؟ هذه الأسئلة الكثيرة وغيرها لن يستطيع أحد الإجابة عليها مباشرة وسيهرب الجميع منها ...ولكن باستطاعة كل مراقب أن يجيب بنفسه فالحقيقة لا تغطى بغربال ..

إلا أنه ومن خلال استقراء الأحداث يمكننا أن نقف على جملة من الملاحظات التي يجب الاستفادة منها لتحليل ما حدث وتجنب سلبياته في مواقف مماثلة ومنها :_

1- أعطت الحكومة الفلسطينية في غزة نموذجا راقيا للحرية السياسية والإعلامية عندما سمحت بتنظيم مهرجان مركزي لفتح في ذكرى استشهاد أبي عمار وهي القادرة على منعه أسوة بما يحدث في الضفة الغربية وتحت شعار العين بالعين ولكنها آثرت أن تظهر غزة بأبهى حللها وبما يليق بمساحة الأمن والهدوء والحرية فيها ، ولكن يبدو أن فتح وقياداتها قد استثمرت ذلك استثمارا سيئا حقر من أهدافهم وجعل الحكومة تعيد النظر بكل بوادر حسن النوايا ودون أن تلتفت للإشارات الايجابية نحو الوفاق وإمكانية العودة الى طاولة الحوار من جديد .

2- أظهر الحشد الكبير لمناصري ومؤيدي فتح اهتمام القيادة بالمناسبة لحصد نقاط لصالحها فألقت بكل ثقلها في المهرجان بعد أشهر من تطهير القطاع من أرباب الانفلات والفوضى وقد نجحت في استثمار ذكرى رحيل عرفات الذي يرى فيه الفتحاويون رمزا لهم وجامعا لآرائهم واجتهاداتهم المختلفة التي مزقتهم وأخرجتهم عن دائرة الحكم والسيطرة وأرادت فتح أن ترسل إشارات تفيد بوجودها جماهيريا وبأنها قادرة على استعادة زمام الأمور ، إلا أن النتائج لم تكن كما أرادت القيادة التي سعت لزج جماهيرها في مواجهة مباشرة مع الحكومة تحت شعار الغضب الجماهيري العفوي ضد حماس ، وأرادت في خطوة غير محسوبة النتائج أن تثير الفوضى من جديد .

3- بدأ المهرجان قبل موعده المحدد بساعة وانتهى بسرعة فائقة غير متوقعه و بعد أن ألقيت الكلمات المقتضبة جدا والتي حملت إشارات تحريضية من قبل المتحدثين ضد حماس والحكومة وقد تفاجأ الجمهور بقصر مدة المهرجان قياسا بالجهود التي بذلت له والاستعداد التي سبقته ، وكانت التوقعات أن يتواصل حتى مغيب الشمس فهو فرصة للتواصل بين القاعدة والقيادة بعد أشهر من القطيعة الإجبارية وقد لوحظ بأنه مع انطلاق شرارة الفوضى غابت القيادة التي تزاحمت على المنصة و ذابت خلال ثوان ولم يعرف أحد كيف ؟ ومتى ؟ ولهذا تساءل البعض هل كان الانسحاب إشارة البدء بالفوضى وعملية التخريب ؟ وهل حقا كانت القيادة ترغب بسقوط عدد أكثر من الضحايا لجني ربح أكبر يمكن تسويقه والاستفادة منه إعلاميا وجماهيريا ولأجل تشويه صورة حماس وكأنها المتعطشة للدماء ؟ وهل الوقت الذي اقتطع من مدة المهرجان قصد منه إطالة أمد الفوضى واستغلال ساعة أخرى للمتاجرة بالدماء ؟

4- لم تكن الكلمات التأبينية لعرفات ذات علاقة بالشهيد أو إطرائه وتذكر محاسن أعماله وتاريخ نضاله الذي يمتد إلى عقود ، بل كانت الخطابات وصفة تحريضية من الطراز الأول واتهامات كاذبة أججت مشاعر الآلاف الذين احتشدوا نصرة لدم عرفات ورغبة لسماع كلمة تنصر هذا الرجل وتشير إلى قاتليه بعد صمت امتد ل3 سنوات ، وهذا كله يقود للأهداف الحقيقية للمهرجان الذي أراد منظموه أن يعمق الانقسام ويزيد القلوب حرقة ويملؤها أحقادا .

5- بالرغم من حالة الاستنفار لوزارة الداخلية وتعاطيها مع المهرجان في إطار المناسبة الوطنية التي تخص الجميع ، وبالرغم من الجهود التي بذلت على مدار الساعة والتي سهلت وصول المواطنين من رفح إلى بيت حانون بالسرعة التي لم يتوقعها أحد إلا أنها لم تستطع أن تكلل هذا الجهد بالنجاح الكامل وتجني ثمرة العناء المتواصل بما يتوافق مع المصلحة التي كانت ترجوها ، ومع أولى إشارات الفوضى المنظمة غابت الحكمة عن البعض واستطاعت ألفاظ التشهير والقذف المباشر والضغط المتواصل أن تحيل الصبر إلى نار انطلقت دون أن تميز ولتعطي أبواق الفتنة علامات الانتصار التي سعت لها منذ البداية وهيئت الظروف للوصول إليها بعد أن استطاعت أن تفتح المعابر التي أغلقت بوجه حليب الأطفال ودواء المرضى لتدخل القبعات والرايات واليافطات وبعد أن حصلت على ترخيص لإقامة المهرجان وبعد أن حشدت كل جماهيرها التي ما زالت تعيش على طيف أبي عمار ، ومع حسن نوايا الداخلية في ضبط الأمور إلا أن سرعة الضغط على الزناد لم تكن مطلوبة وكان الأجدر أن يبتعد السلاح عن مثل هذه الأماكن المكتظة بالجماهير المعبأة والمحتقنة بل وكان من الضروري إخلاء المكان كليا من أفراد الشرطة درءا لأي طارئ متوقع ، وحتى مع وجود المقدمات وحالة الاستفزاز ورشق الحجارة وتصعيد الأمور قبل وأثناء المهرجان .

6- أظهرت حيثيات المهرجان إلى استغلال دنيء لمشاعر أبناء فتح ومحبي ياسر عرفات الذين جاؤوا من كل مكان يحملون الذكرى ويبكون القائد الذي غاب عنهم ولم يتكرر ، ولم يتوقع أحد أن تتاجر فتح بدماء أبنائها وترمي بهم في أتون فوضى قاتلة ووسط فتنة ليجدوا لأنفسهم مبررات أمام وسائل الإعلام وأدلة تدين حماس .

7- أكدت حماس من خلال المهرجان أنها الأصدق في تبني شعار الوحدة والحوار والحفاظ على مشاعر الجماهير المحتفلة بذكريات وطنية أو خاصة بها ، ولم يكن أحد ليلومها لو أقدمت على منع المهرجان أو الدعوة لإقامته في مكان نائي أو مغلق ، وزادت رسائلها الداعية للمحبة ودون أن يؤثر ما يحدث لأبنائها في الضفة عندما توجه وفد رفيع منها لزيارة قبر أبي عمار وإطلاق رسائل الوحدة من هناك رغم حديث الاجتثاث والسحق الذي ما زال يرفع من قيادات فتح بالضفة دون اعتبار للمواقف الايجابية من حماس .

إن مهرجان فتح الراقص في ذكرى أبي عمار سواء بالضفة أو غزة له من العبر والدلالات التي يجب أن تأخذ بالحسبان في مواقف أخرى حتى لا تتكرر المأساة ولا تكون الجماهير قطيع يساق نحو الهاوية ، وحتى تبقى دماء القادة وقودا لتحرير لا ثمنا بخسا للمتاجرة والتلاعب ، ولعل سعي حماس في نشر الحريات العامة والتأكيد على وحدة الشعب باحترام المناسبات العامة وتهيئة الظروف الملائمة لنجاحها أكبر دليل على صدق نواياها الطامحة للمصالحة الوطنية الشاملة على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بشرعية صندوق الاقتراع وآراء المواطنين

هو الميت بيرقص عليه

يسلموووووووووووووووووووووو ابووووووخالد
على الموضووووووع الرائع والجميل والى الامام من الازدهار