في التاريخ الإسلامي و مع بزوغ فجر الرسالة مرَّت الدعوة الإسلامية بمراحل عدَّة تناسبت و الأمانة التي ستُحمل للإنسانية والتي تحتاج إلى رجالٍ مخلصين , يصبرون على الألم و يتحملون الصعاب في سبيل الدين و إعلاء راية الحق ..
ولأن في السيرة العطرة للنبي محمد - عليه الصلاة والسلام - نبع ينهل منه الخلق إلى اليوم الموعود , ويحكِّمون بناءً عليه ما يطرأ في حياتهم من مجريات , فإننا و في مرحلتنا الفلسطينية المعاصرة لا بدَّ لنا من الإلتفات إلى هذا الأصل , و مقارنة حالنا به حتى نرى في أيِّ مراحل الدعوة نحن , و لنستنبط إلى أين سترسي بنا سفن القدر !!
في شعب أبي طالب !
قد حوصر خير خلق الله محمد ومعه صحبه الأكرمين ثلاث سنوات في شعب أبي طالب , و انعزل عنهم الآخرون وعزلوهم , فلم يتزوجوا منهم ولم يزوجوهم , ولم يشتروا منهم أو يبيعوهم , حتى وصل الحال بالقوم أن أكلوا أوراق الأشجار !
لم يكن قد مضى وقت طويل على دخول المسلمين تحت ظلال الدعوة الإسلامية , ولو تحدَّثت فيهم النفس لقالت : ما هذا الدين الذي لم يأتِ لنا سوى بالشقاء والحصار و الجوع والأذى على يد أبناء عمومتنا من قريش !؟
ولتسائلوا أيضا : كيف لعزيز على الله ولنبي رسول أن يجوع و صحابته بلا حولٍ ولا قوة !!
ولكنهم صبروا .. ولم يكونوا وحدهم بل قد حوصر معهم بنو طالب و بنو هشام - إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشاً على ابن أخيه ! - صبر هؤلاء القوم الذين لم يدخلوا إلى الإسلام بعد , لأنهم رفضوا برغم كفرهم أن يتخلوا عن أهلهم وتحملوا معهم الظلم و الحصار , في الوقت الذي نجد فيه فتح " النضال والكفاح " تشارك الصهاينة في حصار أبناء الشعب الفلسطيني !!
في الواقع الفلسطيني ...
عنما فازت حركة حماس في الإنتخابات النيابية , لم يقبل العالم الظالم بالديمقراطية وما أفرزته من نتائج , وتنكر لها بعد أن خسرت الحركة التي أركن إليها أمر التنازل وتسليم فلسطين بلا مقابل !
فلجأ لاختطاف القادة و الوزراء و رموز الشعب المنتخبين , إضافة لحصار غزة حصارا خانقا تزداد ضحاياه يوما بعد يوم , حيث كان آخرها الشاب ( نائل الكردي ) الذي جاءته رحمة الله لتخلِّصه من المرض , بعد أن أصرَّت اسرائيل وحكومة فياض بإطباق الحصار على جميع أفراد الشعب الفلسطيني في غزة !!
إضافة إلى كلِّ ذلك سعى العدو لتجنيد أعوانا له (من حركة فتح) ليقلبوا ليل غزة نهاراً داميا , وكان للمحتل ما أراد - بكل أسف - بعد قبول هؤلاء الرعاع , بأن يكونوا مطايا للإحتلال يلقي بهم كأوراق تشعل النار لا يَهُم إن حُرقوا أو تحولوا إلى رماد !
حصار غزة الخانق والوضع الإقتصادي الصعب والقلاقل التي يسعى البعض لاستخراجها و الهجمة العسكرية على القطاع , هذه الأمور الكثيرة التي تستهدف حركة حماس , هي تشبه في مظهرها الوضع الخانق والمقاطعة التي استهدفت صحابة الرسول في شعب أبي طالب !
الصبر طريق النصر !
هذا التشديد على المسلمين ليعلم الله الذي آمنوا ويعلم الصابرين , و هي " غربلة للنفوس " ليخرج الله جيلا صامدا مؤمنا صابرا " مسلما حتى النخاع " لا يتأثر بالحصار ولا يعنيه الجوع ولا يهمه القصف والتخريب أو التعذيب على أيدي فتح و إسرائيل والعالم الظالم من خلفهما !
فهذا الدين عظيم وهذه الأمانة غالية لا يحملها إلا من كان أهلا لها , وليس من سبيل يعرف فيه الرجال الحق أكثر من الشدائد ..
هل قلَّ جمهور الرسالة في السنة الثالثة من الحصار !؟ هل تركها الصحابة - حديثي العهد بهذا الدين - الذي لم يروا مذ شهدوا (أن لا إله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله ) إلا تعذيبا وطردا و حصارا بأيدي أبناء عمومتهم واخوانهم وفي أحيان كثيرة بأيدي آبائهم وأمهاتهم !؟
تركنا للرسالة ليس ضعفا فيها , و لا يعيبها بل يعيب من نفذ صبره قبل أن يحصد النتيجة ..
لذا فإن علينا أن نكون جنوداً للحق لا نبالي في الله لومة لائم و لا حصار ظالم , ولنتيقَّن أن الشجرة المعطاءة المحمَّلة بالخير الكثير ؛ هي التي تُقذف بالحجارة .. ولنعلم بأن بعد العسر يُسرا وأن النصر يحتاج إلى رجالٍ رجال !
وهكذا هي حركة المقاومة الإسلامية حماس فلو لم تكن على الحق لما رجمتها كل حجارة الدنيا بيد القريب والغريب ؛ فلنكن في صفِّها ولنعلي رايتها و لننتظر فتحا قريبا بإذن الله , يخلصنا من أبناء أبي لهب في الضفة لننطلق بعد ذلك إلى سديروت !
بقلمي : بيان صادق .
تحيات ابا خالد
